قصة آية
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿﴿عبس وتولى üأن جاءه الأعمى v وما يدريك لعله يزكى﴾﴾ صدق الله العظيم
عبد الله بن أم مكتوم هو تلميذ من تلاميذ مدرسة الأرقم بن أبى الأرقم بمكة المكرمة، استمع وعشق وصار مغرما بحديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكان ابن أم مكتوم فاقدا للبصر واستعوض عن بصره بسمعه، فكان يحفظ ولا ينسى وتوصف له الأشياء فتبقى مجسمة فى ذهنه ومتخيلها فى وجدانه، وكان هذا الرجل دائما ما يبحث عن الرزق فى أرجاء مكة ودائما ما يبحث عن المعرفة والعلم حتى دخل بيت الأرقم بن أبى الأرقم واتبع المصطفى صلى الله عليه وسلم فى هذه الآونة، وكانت الدعوة فيها سرا وهو يعلم ما يفعله المشركين لمن اعتنق الإسلام من مهانة وعذاب وسرعان ما تطرق إلى سمعه كلمات القرآن الكريم بصوت أشرف الخلق المصطفى صلى الله عليه وسلم فخشع قلبه وأصابته السكينة والأمان وصار يردد ما يسمع بين الناس ويدعو إلى استماع المزيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ابن أبى الأرقم، وكان يرتل القران بصوته الجميل ليل نهار وانتقل من مدرسة الأرقم بن أبى الأرقم إلى أخرى بيثرب حيث المدينة المنورة، واشترك ابن أم مكتوم مع المسلمين من الأنصار والمهاجرين فى بناء أول مسجد فى المدينة ولازم الرسول صلى الله عليه وسلم معظم أوقاته، فهو شغوف بحب العلم والمعرفة، محبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صوته عذبا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالآذان للصلاة إذا ما غاب سيدنا بلال بن رباح رضى الله عنه، حتى جاء رمضان فصار ابن مكتوم صوته معلق بالأذن، وعن عبد لله بن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن بلالا ينادى بليل فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم) وكان ابن أم مكتوم دائم الجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى يوم قال له الرسول صلوات ربى وسلامه عليه: متى فقدت بصرك؟ قال: وأنا غلام، فقال: إن الله تبارك وتعالى قال إذا ما أخذت كريمة عبدى لم أجد له بها جزاء إلا الجنة. أورده ابن سعد فى الطبقات الكبرى، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: نزلت هذه الآيات فى ابن أم مكتوم قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول ارشدنى، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين، فجعل النبى يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول: أترى بما أقول بأسا، فيقول لا، ففى ذلك نزلت. تُرى هل غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم أو عاتبه أو حاسبه أو ابتعد عنه؟ لا، بل كان يداعبه ويسأل عنه فى كل مجلس. قال الثورى: كان النبى بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول: مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى ويقول: هل من حاجة. صدق الحق تبارك وتعالى عندما قال عنك ﴿لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ وكان ابن أم مكتوم يجاهد فى العبادات، صوام قوام، لا يراه أحد إلا فى عبادة أو متجها لأداء عبادة أو مشاركة المسلمين فى أمر يهمهم، قال رب العزة سبحانه ﴿لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة﴾ فتألم ابن أم مكتوم فهو يحب أن يشارك فى الجهاد فى سبيل الله وأين له هذا وهو أعمى لا يستطيع مشاركة الجيوش الإسلامية فى محاربة الكفار، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول يا رسول الله قد أنزل الله فى الجهاد ما قد علمت وأنا رجل ضرير البصر لا أستطيع الجهاد فهل لى من رخصة عند الله إن قعدت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما أمرت فى شأنك بشئ وما أدرى هل يكون لك ولأصحابك من رخصة؟ فقال ابن أم مكتوم: اللهم إنى أنشدك بصرى -أى أتوسل إلى الله أن يرجع إلى بصرى- فأنزل الله بعد ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم ﴿لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدين فى سبيل الله﴾ ويروى عن الشعبى قوله: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشرة غزوة ما منها إلا يستخلف ابن أم مكتوم على المدينة وكان يصلى بهم وهو أعمى.
وفى يوم القادسية أراد أن يشارك جيش المسلمين واختار لنفسه موقعا مهما جدا فى الحرب فقد طلب عبد الله بن أم مكتوم من اخوانه أن يشركوه فى حرب القادسية فوافقوا وهم فى استفهام، وفى ميدان المعركة وقف ابن أم مكتوم ينادى بأعلى صوته ويقول: يا أحباب الله يا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبطال المعارك ادفعوا بى إلى اللواء فأنا رجل أعمى لا أستطيع أن أفر وأقيمونى بين الصفين.
رضى الله عنك يا ابن أم مكتوم لقد اخترت أن ترفع اللواء وأنت ضرير لا تستطيع الفرار فيستمر لواء الحرب مرفوعاً طوال الموقعة، وكم أنك رجلا مجاهدا لا تخشى ولا تخاف إلا من الخالق سبحانه وتعالى فمرحبا بك بين الشهداء ومرحبا بك بين رفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم.